- أخلاقيات النشر
إن البحث العلمي يعتبر الدعامة الأساسية للاقتصاد والتطور، وركناً أساسياً من أركان المعرفة الإنسانية في ميادينها كافة، كما يعد السمة البارزة للعصر الحديث، فأهمية البحث العلمي ترجع إلى أن الأمم أدركت أن تفوقها يرجع إلى قدرات أبنائها العلمية والفكرية والسلوكية؛ حيث تكمن فوائد البحث العلمي في تبيان المعلومات عن الإنسان، والكون والظواهر التي نحياها، وفي التغلب على الصعوبات التي قد نواجهها وطرح الحلول لها، ونظراً للمكانة التي يحتلها البحث العلمي وتعدد الجهات المرتبطة به وتداخلها، ظهر «علم أخلاقيات البحث العلمي» الذي جاء ليساعد في تطور البحث العلمي وتنظيمه ووضع قواعد وقوانين تحكم العلاقات بين الأطراف المشاركة فيه، بما يضمن سير العملية البحثية بالمسار الصحيح لتحقيق الأهداف المرجوة ومنع أي تلاعب أو استغلال لتحقيق مصالح ورغبات شخصية، وفيما يخص العلاقة بين قائد البحث وأعضاء الفريق البحثي من طلبة دراسات عليا أو غيرهم فينبغي أن تكون قائمة على الثقة والتعاون وبما يعود بالنفع على الطرفين ويضمن حقوقهم، وفي النهاية فإن قواعد البحث تدعم القيم الاجتماعية المتعلقة بحقوق الإنسان والحفاظ على الثروة الحيوانية والالتزام بقواعد السلامة العامة.
من الممكن عرض أهم مبادئ البحث والنشر العلمي كالآتي:
الأمانة والدقة في توثيق البيانات والنتائج وتحليلها ونشرها، دون كذب أو تضليل أو خداع.
عدم التحيز أو التلاعب بتصميم العملية البحثية وتحليل البيانات وعرضها.
الاستقامة والحفاظ على الوعود والاتفاقيات؛ والسعي لاتساق الفكر والعمل.
الحيطة وعدم الإهمال، والعمل على تقليل الأخطاء البشرية والمنهجية إلى حدها الأدنى.
الإنفتاحية ومشاركة البيانات والنتائج مع الباحثين وتقبل النقد البناء.
احترام الملكية الفكرية من براءات اختراع وحقوق نشر، ونسب الآراء لأصحابها وتجنب انتحالها أو سرقتها، وعدم استخدام أي بيانات أو نتائج غير منشورة دون الرجوع إلى صاحبها.
احترام الخصوصية والمحافظة على سرية المعلومات.
النشر بهدف التطوير وإفادة البشرية وليس للحصول على مصالح شخصية فقط.
احترام الباحثين والزملاء في العمل، وإعطاء التقدير والشكر لمن يستحق.
مساعدة الباحثين وتعزيز قدراتهم وتمكينهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.
الالتزام بالمسؤولية المجتمعية والسعي لتطوير المجتمع وحل مشاكله من خلال الأبحاث والدراسات العلمية.
تجنب التميز العنصري القائم على الجنس أو العرق أو الديانة بين الزملاء أو الطلبة.
الالتزام بالقوانين والأنظمة التي وضعتها المؤسسات والجهات المنظمة للأبحاث العلمية.
استخدام الموارد المتاحة بحكمة لإنجاز الأهداف المرجوة.
تجنب الخضوع لمؤثرات حكومية هادفة إلى ترك البحث في شؤون عامة حيوية.
احترام الذات البشرية وعدم انتهاك حقوق الإنسان وكرامته عند إجراء التجارب عليه، وإدارة الأبحاث العلمية على البشر بما يضمن تحقيق أكبر فائدة وأقل ضرر ممكن، كما يجب معالجة الذوات غير البشرية والحيوانات باحترام وعناية مناسبين عند استخدامها في التجارب.
تجنب أي تضارب في المصالح كدعم جهات خاصة ذات أجندة أو الارتباط مع جهات ذات مصالح خاصة.
هناك أيضاً أسس وقواعد تضبط كتابة أسماء المؤلفين على المنشورات العلمية بما يضمن حقوق المشاركين والجهات الداعمة، حيث يجب أن تضم قائمة المؤلفين جميع الأشخاص الذين ساهموا في بناء فكرة البحث أو في تصميم العملية البحثية وتحليل البيانات أو شاركوا في المراجعة النقدية لمسودة العمل، ويحدد ترتيب الأسماء بالاتفاق الجماعي بينهم، بينما يشتركوا جميعاً في المسؤولية تجاه صحة النتائج المنشورة ودقتها، أما الأشخاص الذين شاركوا بشكل معنوي في البحث ولكن لم يحققوا شروط إدراجهم كمؤلفين فيجب توجيه الشكر لهم في نهاية العمل المقدم للنشر، وبما يتعلق بجهات النشر والدوريات العلمية فقد ظهر مؤخراً ما يعرف بمواقع الوصول الحر (Open Access) وهي مواقع إلكترونية تصدر دوريات إلكترونية متاحة بشكل مباشر ومستمر للباحثين والمستفيدين، وجاءت هذه المواقع لتسهيل عملية النشر وتسريعها وضمان وصول آخر ما توصل إليه العلم إلى أكبر قدر ممكن من المستفيدين مجاناً دون الحاجة للاشتراك بالدوريات الورقية التي قد تطلب اشتراكات مالية للاطلاع عليها فتكون محصورة فقط على فئة خاصة من الباحثين، وعلى الرغم من الايجابيات التي تقدمها مواقع الوصول الحر إلا أنها أصبحت وسيله للاستغلال المادي فمعظمها يشترط أن يدفع المؤلف مبلغ نقدي مقابل نشر بحثه، ومع تطور التكنولوجيا أصبح من السهل نشر أبحاث وهمية ومضللة أو ذات جودة منخفضة على هذه المواقع دون أن يكون هناك مراجعة وتدقيق قبل النشر، ولذا في الاتجاه نحو الإبداع واقتصاد المعرفة لا بد من الاهتمام وتأصيل البحث والنشر العلمي باعتبارها وسيلة تقدم العلم وتوثيقه وذلك من خلال تبني منظومة أخلاق وأعراف تأسس لمرحلة قادمة في مسيرة البحث العلمي عنوانها العلم والبحث والريادة والإبداع.